الاثنين، 9 مارس 2009

بداية الالتزام .. بداية جميلة خطرة .

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين .. أما بعد ..

كيف حالكم ؟؟

اليوم جئتكم بموضوع جديد .. ولكنه من الأهمية بمكان ..

إنه يتعلق بموضوع (( بداية الإلتزام )) :

أعني بهذا العنوان ، بداية دخول الإنسان في طريق الإلتزام في دين الله عز وجل والسير نحو الجنة ، والتمسك بسنة رسولنا الكريم محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم .

إن ما أريد الحديث عنه هو خطورة هذه المرحلة فهي ليست بالسهلة أبدا ..

دعوني أشرح كيف …

في البداية ينبغي أن نعلم أن هذه الخطورة تتفاوت بحسب اختلاف السن والبيئة . بمعنى أن السن التي يتدين فيها الإنسان تؤثر وكذلك البيئة التي يعيش فيها ..

لكي أوضح أكثر ، فمثلا البيئة :

فالشخص الذي يتخذ قرار الإلتزام في بيئة متدينة تخاف الله ، في أسرة صالحة تقف عند حدود الله هذا الشخص ليس كمن يتخذ نفس القرار في بيئة منفرة يعم فيها الفساد ، في أسرة بعيدة أشد البعد عن طاعة الله سبحانه وتعالى .

لاحظوا الفرق ..

كذلك السن يؤثر ، فمن أراد الإلتزام في سن صغيرة فإنه ليس كالمراهق ليس كالشخص الشاب ليس كالكبير في السن . لكل مرحلةدورها في التأثير بالشخص .

ما أريد أن أصل إليه أن الشخص الذي يبدأ في دخول هذا الباب باب الإلتزام يجب أن يبدأ بداية جيدة لأن هذه البداية سوف تؤثر في مدى استمرارية هذا الإنسان في هذا المجال المبارك .

فلقد سمعت وبلا شك قد سمعتم معي الكثير من القصص التي تحكي رجوع أصحابها عن الإلتزام بسبب البداية السيئة في دخول هذا المجال .

من أخطئ البدايات هي حينما يكون هذا الإنسان عنده حمااس شديد في تطبيق الدين والإلتزام بدين الله عز وجل ولكن مع قلة العلم .

هنا تأتي المشكلة الكبيرة التي طالما عانى منها المجتمع المسلم ، أجل أنا لا أبالغ إذا قلت أن المجتمع كله عانى منها .

فيكون عند هذا الشخص دافعية كبيرة وحماااس عظيم ولكن لا يملك العلم الكافي الذي يوجه هذا الحماس بالطريق الصحيح . ويهذب هذا الإندفاع حتى يكون اندفاعا سليما مقربا من الله ومقربا من الجنة ومباعدا عن النار . لا العكس .

فتجد هذا المتحمس المسكين يأخذ الآية دون أن يفقهها ولا يعرف معناها الصحيح ولا يطلع على أقوال العلماء فيفهمها بحسب مخه القاصر الجاهل ويؤولها بحسب ما يبدو إليه ، فيفعل الخطئ والمنكر ، الذي يصل به إلى حد قتل أناس لا يجب قتلهم بل يحرم عليه قتلهم . ومن هنا ظهر عندنا ما يسمون بالخوارج . كما وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم أنهم صغار السن قليلوا العلم بالسنة . ولكنهم مع هذا أهل صيام وصلاة ,.لو قارنت عبادتك بعبادتهم فاقوك ولكنهم لا يتمسكون بالسنة ولا يحرصون على العلم أولا . فوقعوا بالضلال . وقتلوا الأنفس البريئة التي ذكر الله أن قتلها عنده أعظم من هدم الكعبة . ألا وهي الأنفس المسلمة ، وقتلوا أنفسا أخرى أخبر نبينا عليه الصلاة والسلام أن من قتلها لا يشم رائحة الجنة ألا وهي قتل المعاهدين .

إذا أول شيء يحرص عليه من يبدأ طريق الإلتزام هو الحرص كل الحرص على البدء بأخذ العلم النافع .

أيضا من الأخطاء التي وقع بها الكثير في بداية الإلتزام ألا وهي جعل الكتاب هو الشيخ .

وهذه من الأخطاء الكبيرة ، فيكتفي بما يقرأ من الكتب . وهنا بلا شك معضلة كبيرة . لأن أبواب الفقه واسعة . ومذاهب العلماء متنوعة . وكتب الفقه ، منها ما هو متخصص بذكر مذهب واحد ومنها من جمع كل المذاهب ، ومنها من يختص بذكر روايات المذهب . فبلا شك لا تستطيع دراستها لوحدك . لأن لها منهجية خاصة . كما أن لغتها لغة العلماء المتقدمين مما يجعلها صعبة على غير المتمكن . هذا اذا اخذنا الفقه كمثال . وقس على ذلك باقي العلوم . فتجد هذا الإنسان المسكين حائرا بين الكتب . هذا إذا كان قد اختار الكتاب السليم والصحيح .
فالمشكلة تكون أكبر إذا اختار كتابا فيه انحراف وبعد عن الطريق المستقيم .

فينتغي التأكيد على ضرورة أن يكون الإنسان على صلة بأهل العلم حتى يوجهوه في فهم مسائل الدين ويساعدونه في ذلك ، كيف لا وربنا تبارك وتعالى يقول : ( فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) . فالاتصال بأهل العلم ضروري جدا .
وأنا هنا في هذا المقام أوجه ندائي لعلمائنا الكرام ومشايخنا الأفاضل أن يتبنوا أولئك المقبلين على الإلتزام . أن يتبنوهم ويوجهوهم لما ينفعهم وأن يحذروهم من الغلو في الدين وأن يوضحوا لهم صراط الله المستقيم .

من الأخطاء كذلك التي وقع بها وللأسف الكثير من الملتزمين ألا وهي الانشغال بتعديل وتجريح العلماء والمشايخ . وجعل جل الاهتمام بالطعن بالشيخ الفلاني والدفاع عن الشيخ الفلاني . وهذا منتشر كثيرا في أوساط الملتزمين وللأسف .

فتجده صغيرا بتوه يحافظ على الصلاة ويلتزم بالنوافل يزكي شيخا كبيرا كرس عمره في طلب العلم والغوص في كتب العلماء . ويطعن في عرض آخر . وهذه والله طامة . فإذا كان الإنسان منهيا عن الخوض في أعراض المسلمين فهذا النهي عن أعراض علمائنا يكون آكد وأوثق . لشرفهم ولشرف مكانتهم من جهة ، وللبعد عن نشر الفتنة ممن جهة أخرى . ولضرورة التثبت من كل أمر نسمعه وألا نقول كل ما نسمع وأن لا نحكم على الشخص الفلاني أنه تكفيري أو أنه ضال أو أنه من أهل البدع حتى نتثبت . يقول تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإِ فتبينوا ) كما ينبغي ألا يشغل الإنسان نفسه في الخوض بهذه المسائل . فمن يخوض فيها يتعب ويكسب السيئات ويفتن في دينه . صدقوني يفتن في دينه .

ينبغي لكل إنسان أن يبحث عن الحق ، فإذا عرف الحق عرف أهله ، فقط هذا اهتمامه . وأن يرفع نفسه عن هذه السافسف . وليتق الله بكل ما يقول .

ومن الأخطاء الشائعة كذلك في أوساط الملتزمين وهي ليست بعيده كثيرة عن النقطة السابقة ، ألا وهي العصبية المفرطة المنفرة للأحزاب . فنوالي ونعادي بحسب ولاء وانتماء هذا الشخص لجمعاتنا . وهذه مشكلة كبيرة إذ أنها تنشر الفرقة في صفوف المسلمين . وهم في ذلك متناسين أن الله سبحانه أمرنا بالإتحاد والبعد عن الفرقة . يقول عز من قائل : ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ) فنحن مأمورون بالإتحاد ومأمورون بأن نسلك كل مسلك يكون سببا في وحدتنا ، وفي نفس الوقت نحن منهيون عن التفرقة والابتعاد عن كل مسك يفرقنا أن يكون سببا في تفرقتنا .
أنا والله أشعر بألم كبير حينما أجد أمة محمد صلى الله عليه وسلم مشغولة في الطعن ببعضها البعض وهي لاهية عن أعدائها الذين يتآمرون عليها .

ينبغي جميعا أن نسعى لأن نكون من حزب الله فحزب الله هم الغالبون .

من الأخطاء كذلك هو تركيز الشخص في بداية التزامه على جانب الترهيب فقط . مما ينعكس سلبا عليه . فتجده متنطعا متزمتا متشددا . ينفر الناس من دين الله تعالى بدل الترغيب فيه . فلا بد من الموازنة .

كذلك أيضا نجد الشخص في بداية الإلتزام خشن التعامل مع من حوله سواء أهله وأصدقائه يريدهم يلتزمون مثله في يوم وليلة .بل وأحيانا يحرم الجلوس مع بعض الناس على نفسه . فتجده يسيء التعامل معهم ولا يعرف فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . فيوصل لمن حوله صورة سيئة جدا عن الإلتزام .

وهذه قضية مهمة جدا يغفل عنها الملتزمون عموما وهي مراعاة أدب التعامل مع الناس وطيب المجلس والتبسم في وجوهم ومعاملتهم في لين ومودة . والرفق بالناس .

هذه مجموعة من النصائح الهامة جمعتها بحكم ما رأيته وما وجدته وما مررت به أنا شخصيا في بعض المراحل من حياتي . جمعتها لكم في هذه الأسطر من باب التناصح بالخير والتواصي بالحق حتى يجعلنا الله عز وجل من الذين استثانهم من الخسران عندما أقسم بالعصر حيث قال : ( والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ) .

هذا الموضوع أوجهه للجميع وبوجه خاص لمن هو في بداية التزامه أو يعرف شخصا يعز عليه في بداية الالتزام . أو لمن يريد أن ينشر هذه المادة العلمية لينفع بها غيره . فيكون قد سن سنة حسنة بإذن الله تعالى .

أشكركم جزيل الشكر على قراءتكم للموضوع واهتمامكم به ومروركم عليه . أسأل الله أن يجعلنا هداة مهديين غير ضالين ولا مضلين . وأن يجعلنا من عباد الله المخلصين .. اللهم آمبن .

وصلي اللهم وبارك على سيدنا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين .

والسلام عليكم ..

أختكم المحبة لكم دائما :

شيخة العرب .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق